Blog Archives

وهم الحريّة

اكتب هذه الخاطرة وانا أعلم يقيناً أن معظم الناس لا تقرأ وإن فعلت فلن يعجبها ما سأقول..

لقد درج في زماننا هذا تبرير كل الأخطاء والزلات والتجاوزات والغوص في المحرّمات تحت مسمى “الحرّية” وقد أصبح كلّ من ينتقد تصرفاً لا أخلاقيّاً يخاف مهاجمة النّاس له كونه “قمعي” أو “متخلّف” أو حتى “جاهل” وهي صفات قد لا تمت للشخص نفسه بأي صلة! فلماذا يحق لانسان ما، أي كان، ان يدوس على الاعراف او التقاليد او الاخلاقيات او حتى المعتقدات الدينية، ولا يحق لانسان اخر ان ينزعج من هذه التصرفات او ينتقدها؟ وهل تلك الحرّية التي تتكلّمون عنها انتقائية؟

فلتنفق اذاً! لقد خلق الناس احراراً ولا يمكن لأحد ان يمنع أي انسان آخر من ان يمارس حريّته في القول والفعل. أين المشكلة اذاً؟ المشكلة الفعليّة تكمن في وهم الحرية المطلقة الذي تبنته المجتمعات واصبح السبب الاول والاهم في تفككها وانهيارها. فالانسان ليس حرّاً كما تعتقدون، والحريّة لا تعني ان نفعل ما نريد كيفما نريد وقتما نريد دون ان يحق لاي انسان انتقادنا او الانزعاج من تصرفاتنا او حتى الاشارة اليها واعتبار انه لا يوافق عليها. إن الحريّة الوحيدة التي نملكها هي حريّة خياراتنا اذ يحق لنا ان نختار ما نريد، لكنّ تحمّل تبعات ذلك يعد جزءاً لا يتجزّء من تلك الحريّة، وعلى من يختار ويقرر طريقة عيشه تحمّل كامل مسؤولياته ونتائج افعاله، ان كانت على هذه الأرض او لاحقاً عند خالقه.

وهنا يجب أن اضيف انّ انتقاد العمل واعتباره مسيئاً لا يعطيني حق الحكم على اي انسان او محاسبته او محاكمته. هنا أيضاً الحريُة مقيّدة وليست مطلقة. ان ترى ما تعتبره خطأً وتشير اليه حقك ولكن ان تسمح لنفسك ان تحاسب وتجرّم أوحتى تلعب دور الخالق باختيار الجنّة والنار فهذا ليس حقك ابداً.

فلنكن أحراراً بوعي، نعلَم حقوقنا وواجباتنا. نحترم اختلاف الآخر دون ضرورة الموافقة عليه، ونتحمّل مسؤولياتنا كاملة وعواقب ما نختار بكل ما اوتينا من قوّة حتى نستحق تلك الحريّة التي ننادي بها ونقدّسها.